يواصل ُ أحمد المديني أسفاره ، فبعد "أيام برازيلية وأخرى من يباب -2009" و الرحلة إلى بلاد الله – 2010" و" الرحلة المغربية إلى بلاد الأرجنتين وتشيلي البهية" 2014 ، تأتي رحلة جديدة إلى رام الله في كتاب صدر مؤخرا عن دار الآمان يضم نصين : الرحلة إلى بلاد الله وهي تدوين عياني سردي لحج المؤلف إلى مكة المكرمة ( موسم 2009) يبرز فيه سفره الروحي بكافة المناسك في تجربة فريدة ، إنسانية وثقافية وصوفية ،ضمن شكل رحلي روائي. وقد تعزز هذا النص بملحق نقدي في قراءتين الأولى لعبد الرحيم مودن " رحلة اكتشاف الله في الذات الإنسانية " ؛ والثانية لشعيب حليفي " من شرفة الروح ، أو الكتابة بالمشاعر " .
الكتاب الثاني " الرحلة إلى رام الله " ، رحلة المؤلف الثانية إلى أرض فلسطين السليبة (2014) تنقل القارئ في مدن الضفة الغربية والقدس الشريف ، يصف فيها ، بلوعة تفضحُ مشاعره، كل المعالم الكبرى ، رام الله والخليل وبيت لحم والمسجد الأقصى.. يتمثلها وهو المغربي الحامل لإرث الرحالين المغاربة الذين زاروا القدس وكتبوا عنها منذ عشرة قرون من جهة ، ولإرثه الخاص باعتباره روائيا وكاتبا ، من جهة ثانية ، يقبض على اللحظة وهي ساخنة بدهشة المسافر في مغامرة حقيقية ، أو إسراء يتحدى التخييل.
في مقطع من رحلة أحمد المديني إلى فلسطين وهو أمام المَعبَر ، الجحيم والمطهر ، يقول :
لم أكن وحدي ، ولا المتفرد بالوصول . كم سبقني إليه من شهيد ومنفيّ . وشريد ، كم !
على خطوات هو شاخص ، كنتُ خاطبته قبل الوصول باللغة الأشقى ، الأشفى ، لغة دحبور :" آتٍ ويسبقني هوايَ/ آتٍ وتسبقني يدايَ"، احترق القلب بهوى هذه الأرض ، وما سلمت يداي . مرفوعتان كالضراعة ، لا مجيب ولا شفيع ، مرة أخرى ، إلا خطايَ.لا حيلة لي [...].
أردتُ أن ألجم الغناء ، ما هذا وقتُ الشجن ، لكنه ما برحَ يغزوني وهو ينضحُ دما في الشغاف ، ففي حضرتها : " عبثت بي الأشواق / حذّقت بلا رأس / ورقصت بلا ساق " ( الفيتوري )كم لمتُ الفلسطينيين ، وها أنا أقع بدوري في فخ انفعالاتي ، استكثرتُ عليهم عواطفهم ، ارتفاع منسوب مشاعرهم على درجة العقل والإدراك : عن أي عقل أتحدث ، كأنني في مجلس سقراط أو ديكارت ، ليس بحوزتي لا مسدس ، لا قنبلة ، أنّى لأحد / أُخرِسَ من زمان صوت الرصاص ، سأضحك بعد قليل ، ستضحكون معي ، نحتاج إلى الضحك أحيانا ترياقا للشقاء ...